وتتحدث الأناجيل الأربعة عن تفاصيل كثيرة في رواية الصلب، والمفروض لو كانت هذه الروايات وحياً كما يدعي النصارى، أن تتكامل روايات الإنجيليين الأربعة وتتطابق.
ولكن عند تفحص هذه الروايات نجد كثيراً من التناقضات والاختلافات التي لا يمكن الجمع بينها، ولا جواب عنها إلا التسليم بكذب بعض هذه الروايات، أو تكذيب رواية متى في مسألة، وتكذيب مرقس في أخرى...
من هذه التناقضات:
هل ذهب رؤساء الكهنة للقبض على المسيح؟
مَن الذي ذهب للقبض على يسوع ؟ يقول متى: " جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب " ( متى 26/52 )، وزاد مرقس بأن ذكر من الجمع الكتبةَ والشيوخ (انظر مرقس 14/43 )، وذكر يوحنا أن الآتين هم جند الرومان وخدم من عند رؤساءَ الكهنة (انظر يوحنا 18/3 ) ولم يذكر أي من الثلاثة مجيء رؤساء الكهنة.
ولكن لوقا ذكر أن رؤساء الكهنة جاءوا بأنفسهم للقبض على المسيح إذ يقول: " قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه " ( لوقا 22/52 ). فالتناقض بين لوقا والباقين ظاهر.
متى حوكم المسيح؟
وتذكر الأناجيل محاكمة المسيح، ويجعلها لوقا صباح الليلة التي قبض عليه فيها فيقول: " ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة، وأَصعدوه إلى مجمعهم قائلين: إن كنت أنت المسيح فقل لنا؟ " ( لوقا 22/66 - 67 ).
لكن الثلاثة يجعلون المحاكمة في ليلة القبض عليه فيقول مرقس: " فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة، فاجتمع معه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة....." ( مرقس 14/53 ) ( وانظر: متى 26/57، ويوحنا 18/3 ).
كم مرة سيصيح الديك؟
وتبع بطرس المسيح ليرى محاكمته، وقد أخبره المسيح بأنه سينكره في تلك الليلة ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرتين حسب مرقس " قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" (مرقس 14/72 ) ومَرةً حسب الثلاثة، يقول لوقا: " قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات" (لوقا 22/60) ( انظر: متى 26/74، يوحنا 18/27 ) وقد ذكر الثلاثة خلال القصة صياحاً واحداً فقط، خلافاً لما زعمه مرقس.
أين تعرفت عليه الجارية أول مرة؟
وكان سبب إنكار بطرس المتكرر أن بعض الموجودين في المحاكمة تعرفوا على المسيح، وهنا تتفق الأناجيل في أنه تعرفت عليه في المرة الأولى جارية.
وذكر متى ويوحنا أنه كان حينذاك خارج الدار " وأما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار. فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي"( متى 26/69، 75، ويؤكده يوحنا بقوله: " وأما بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً" (يوحنا 8/16)
وذكر مرقس ولوقا أنه كان داخل الدار يستدفئ من البرد، يقول مرقس: " بينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري" (مرقس 14/66، وفي لوقا: "ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالساً عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه.." (لوقا 22/55-56 ).
من الذي تعرف على المسيح في المرة الثانية؟
وأما المرة الثانية فقد تعرفت عليه حسب متى جارية أخرى " ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري"( متى 26/71 ).
ولكن حسب مرقس الذي رأته نفس الجارية، يقول: " فرأته الجارية أيضاً، وابتدأت تقول للحاضرين: إن هذا منهم" (مرقس 14/69 ).
وحسب لوقا الذي رآه هذه المرة رجل من الحضور وليس جارية " وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم.فقال بطرس: يا إنسان لست أنا" (لوقا 22/58 ).
وذكر يوحنا أن هذا الرجل أحد عبيد رئيس الكهنة " قال واحد من عبيد رئيس الكهنة، وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه أما رأيتك أنا معه في البستان. فأنكر بطرس أيضاً" (يوحنا 18/26 ).
لماذا حبس بارباس؟
وتختلف الأناجيل في تحديد السبب الذي من أجله حبس باراباس في سجن بيلاطس، فيذكر يوحنا بأنه كان لصاً" وكان باراباس لصاً" (يوحنا 18/40 ).
واتفق مرقس ولوقا على أنه صاحب فتنة، وأنه قتل فيها فاستوجب حبسه، يقول لوقا: "أطلق لنا باراباس، وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل".( انظر: مرقس 15/7، لوقا 23/19 ).
من الذي حمل الصليب المسيح أم سمعان؟
وصدر حكم بيلاطس بصلب المسيح، وخرج به اليهود لتنفيذ الحكم، وفيما هم خارجون لقيهم رجل يقال له سمعان، فجعلوه يحمل صليب المسيح يقول مرقس " ثم خرجوا لصلبه، فسخروا رجلا مجتازاً كان آتياً من الحقل، وهو سمعان القيرواني أبو الكسندروس وروفس ليحمل صليبه " (مرقس 15/20 – 22 ) و ( انظر: متى 27/32، لوقا 23/26).
لكن يوحنا يخالف الثلاثة، فيجعل المسيح حاملاً لصليبه بدلاً من سمعان يقول يوحنا:
" فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له الجمجمة "
( يوحنا 19/17 ) ولم يذكر يوحنا شيئاً عن سمعان القيرواني.
نهاية يهوذا
يتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح وسعى في الدلالة عليه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: "فأوثقوه ومضوا به، ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا.أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنق نفسه. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم". (متى 27/2-5)
ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: "أيها الرجال الأخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع. إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها. وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم". (أعمال 1/16-20).
فقد اختلف النصان في جملة من الأمور:
- كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات" ثم مضى وخنق نفسه"، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات " وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها "، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً.
- من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم"، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال. " فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري ".
- هل مات يهوذا نادما ً" لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم...قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً" أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس.
- هل رد يهوذا المال للكهنة " وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ " أم أخذه واشترى به حقلاً " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم ".
- هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة " ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه " أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان.
ما موقف المصلوبين من جارهما على الصليب؟
وتتحدث الأناجيل عن تعليق المسيح على الصليب، وأنه صلب بين لصين أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ويذكر متى ومرقس أن اللصين استهزءا بالمسيح، يقول متى:" بذلك أيضاً كان اللصّان اللذان صلبا معه يعيّرانه"(متى 27/44، ومثله في مرقس 15/32).
بينما ذكر لوقا بأن أحدهما استهزء به، بينما انتهر الآخر، يقول لوقا: " وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلاً: أولا تخاف الله،.. فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس" ( لوقا 23/39 - 43).
آخر ما قاله المصلوب قبل موته
أما اللحظات الأخيرة في حياة المسيح فتذكرها الأناجيل، وتختلف في وصف المسيح حينذاك، فيصور متى ومرقس حاله حال اليائس القانط يقول ويصرخ: " إلهي إلهي لماذا تركتني " ثم يُسلم الروح ( متى 27/46 - 50 ومرقس 15/34 - 37 ).
وأما لوقا فيرى أن هذه النهاية لا تليق بالمسيح، فيصوره بحال القوي الراضي بقضاء الله حيث قال: " يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( لوقا 23/46 ).
وتتحدث الأناجيل الأربع عن قيامة المسيح بعد دفنه، وتمتلىء قصص القيامة في الأناجيل بالمتناقضات التي تجعل من هذه القصة أضعف قصص الأناجيل.
متى أتت الزائرات إلى القبر؟
تتحدث الأناجيل عن زائرات للقبر في يوم الأحد ويجعله مرقس بعد طلوع الشمس، فيقول: "وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر، إذ طلعت الشمس" (مرقس 16/2 ).
لكن لوقا ومتَّى يجعلون الزيارة عند الفجر، وينُص يوحنا على أن الظلام باقٍ، يقول يوحنا: "في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً، والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر". (يوحنا 20/1 )، ( انظر: متى 28/1، لوقا 24/1).
من زار القبر؟
أما الزائرات والزوار، فهم حسب يوحنا مريم المجدلية وحدها كما في النص السابق" جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً " (يوحنا 20/1 - 3).
وأضاف متى مريمَ أخرى أبهمها " جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر " (متى 28/1).
ويذكر مرقس أن الزائرات هن مريم المجدلية وأم يعقوب وسالومة. "اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنّه. " مرقس 16/1 ).
وأما لوقا فيفهم منه أنهن نساء كثيرات ومعهن أناس، يقول لوقا: "وتبعته نساء كنّ قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر." (لوقا 23/ 55 - 24/1). وهذا كله إنما كان في زيارة واحدة.
متى دحرج الحجر؟
ثم هل وجد الزوار الحجر الذي يسد القبر مدحرجاً أم دُحرج وقت الزيارة؟
يقول متى: " وإذا زلزلة عظيمة حدثت.لأن ملاك الرب نزل من السماء، جاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه " ( متى 28/2 ) فيفهم منه أن الدحرجة حصلت وقتذاك.
بينما يذكر الثلاثة أن الزائرات وجدن الحجر مدحرجاً، يقول لوقا: "أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر" (لوقا 24/2). ( وانظر: مرقس 16/4، يوحنا 20/1 ).
ماذا رأت الزائرات؟
وقد شاهدت الزائرات في القبر شاباً جالساً عن اليمين، لابساً حُلة بيضاء حسب مرقس (انظر: مرقس 16/5)، ومتى جعل الشاب ملاكاً نزل من السماء. ( انظر: متى 28/2 )، ولوقا جعلهما رجلين بثياب براقة. (انظر: لوقا 24/4).
وأما يوحنا فقد جعلهما ملَكين بثياب بيضٍ أحدهما عند الرأس، والآخر عند الرجلين. ( انظر يوحنا 20/12 ).
هل أسرت الزائرات الخبر أم أشاعته؟
ويتناقض مرقس مع لوقا في مسألة: هل أخبرت النساء أحداً بما رأين أم لا ؟ فمرقس يقول: " ولم يقلن لأحد شيئاً، لأنهن كن خائفات " ( مرقس 16/8 )، ولوقا يقول: " ورجعن من القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله " ( لوقا 24/9 ).
لمن ظهر المسيح أول مرة؟
وتختلف الأناجيل مرة أخرى في عدد مرات ظهور المسيح لتلاميذه، وفيمن لقيه المسيح في أول ظهور؟ فمرقس ويوحنا يجعلان الظهور الأول لمريم المجدلية ( انظر: مرقس 16/9، يوحنا 20/14). ويضيف متى: مريم الأخرى ( انظر: متى 28/9 ).
بينما يعتبر لوقا أن أول من ظهر له المسيح هما التلميذان المنطلقان لعمواس ( انظر: لوقا 24/13 ).
كم مرة ظهر المسيح؟ وأين؟
ويجعل يوحنا ظهور المسيح للتلاميذ مجتمعين ثلاث مرات. ( انظر: يوحنا 20/19، 26 ) بينما يجعل الثلاثة للمسيح ظهوراً واحداً (انظر: متى 28/16، مرقس 16/14، لوقا 24/36).
ويراه لوقا قد تم في أورشليم، فيقول: " ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم، وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان...، وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم"( لوقا 24/33 - 36).
بينما يقول صاحباه إن ذلك كان في الجليل " أما الأحد عشر تلميذاً، فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له" ( متى 28/10).( وانظر مرقس 16/7 ).
كم بقي المسيح قبل رفعه؟
ونشير أخيراً إلى تناقض كبير وقعت فيه الأناجيل، وهي تتحدث عن ظهور المسيح، ألا وهو مقدار المدة التي قضاها المسيح قبل رفعه.
ويفهم من متى ومرقس أن صعوده كان في يوم القيامة ( انظر: متى 28/8 - 20، مرقس 16/9 - 19، ولوقا 24/1 - 53 ).
لكن يوحنا في إنجيله جعل صعوده في اليوم التاسع من القيامة. ( انظر: يوحنا 20/26، 21/4 )، بيد أن مؤلف أعمال الرسل - والمفترض أنه لوقا - جعل صعود المسيح للسماء بعد أربعين يوماً من القيامة ( انظر: أعمال 1/13 )
وبذلك سقطت شهادة الشهود في هذه المسألة، وصح لأي محكمة أن تعتبرهم شهود زور، وهل يُعرف شهود الزور إلا بمثل هذه التناقضات، أو أقل منها ؟
تفرد أحد الإنجيليين في الرواية
وينفرد أحد الإنجيليين بذكر حوادث قد تكون مهمة، ومع ذلك أَغفلها الآخرون، وقد يتبادر للذهن لأول وهلة أن ذلك يرجع لنظرية تكامل الروايات الذي لا يعتبر من التناقض والتعارض.
وهذا ليس بصحيح، إذ معرفتنا البسيطة بتدوين الإنجيل وتاريخه تُنبئنا بأن الإنجيليين اعتمد اللاحق فيهم على السابق، فإغفال اللاحق لبعض ما ذكره سلفه، إنما يرجع لتشككه في جدوى الرواية، أو صحتها، أو تناسقها مع المعتقد، وهو ما يقال أيضاً في الإضافة التي قرر المتأخر زيادتها عن السابق.
ولعل مما يوضح الصورة ويجليها: نقل مقدمة لوقا الذي يقول " رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق.... لتعرف صحة الكلام الذي عُلِّمت به " ( لوقا 1/3- 4 ).
ومن هذه الأمور التي انفرد بها أحد الإنجيليين:
- انفرد لوقا فذكر في وصف ليلة القبض على المسيح أموراً لم يذكرها غيره، ومنها: أنه بالغ في إظهار جزع المسيح، حتى أن الله أيده بملاك يقويه، وكأنه أوشك على الانهيار. يقول لوقا": وظهر له من السماء ملاك يقويه، وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22/43 - 44 ).
وهاتان الفقرتان - رغم وجودهما في أكثر النسخ المتداولة - فإن المراجع القديمة تحذفهما، كما نقل أحمد عبد الوهاب عن جورج كيرد مفسر لوقا حيث يقول: " فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا قد اكتنفها الضعف البشري، كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة ".
ولعل هذا ما دعا الإنجيليين إلى تجاهل هذا الوصف الدقيق، بل إن يوحنا لم يذكر شيئاً عن معاناة المسيح وآلامه تلك الليلة، وذلك للسبب نفسه بالطبع.
ولنا أن نتساءل كيف عرف لوقا بنزول الملاك ؟ وكيف شاهد عرقه وهو يتصبب منه على هذه الكيفية ؛ كيف ذلك والتلاميذ قد وصفهم لوقا بعدها مباشرة بقوله " ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " ( لوقا 22/45 ) ؛ كما أنه لم يكن بجوارهم، وهو يصلي فقد " انفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وصلى " ( لوقا 22/41 ).
- ذكر الإنجيليون ضرب أحد التلاميذ لعبد رئيس الكهنة بالسيف، وأنه قطع أذنه، وتتكامل الروايات، فيذكر يوحنا أن اسم العبد ملخس، وأن الأذن هي اليمنى، فيما لم يحدد متى ومرقس اسم الضارب، كما لم يحدد الأذن المضروبة.
لكن أحداً منهم - سوى لوقا - لم يذكر أن المسيح أبرأ أذن العبد وردّها، وهي ولاشك معجزة كبيرة بين تلك الجموع الكافرة.. "فأجاب يسوع: دعوا إليّ هذا، ولمس أذنه وأبرأها. "(لوقا 22/51 ) ولم يذكر لوقا أي ردة فعل للجند والجموع لهذه المعجزة الباهرة. وكأن شيئاً لم يكن.
كما انفرد مرقس بواحدة أخرى، وهي: قصة الشاب الذي هرب من الشبان فأمسكوا بإزاره الذي يلبسه على عري، فترك الإزار، وهرب منهم عرياناً ( انظر:مرقس 14/51 -52).
- وأيضاً انفرد يوحنا بأن المسيح طلب من الجند أن يدعوا تلاميذه يهربون. ( انظر: يوحنا 18/
مع أن أحداً لم يتعرض لتلاميذه، لكن يوحنا يريد بذلك أن يحقق نبوءة توراتية، فقد قال بعدها "ليتم القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحداً " ( يوحنا 18/9 ).مع أنه أي يوحنا يجزم بهلاك يهوذا، وقد قال قبل سطور عنه " ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك " ( يوحنا 17/12 )
- وانفرد يوحنا فذكر أن الجند لما همّوا بالقبض على يسوع، وقعوا على الأرض، يقول يوحنا: "فلما قال لهم: إني أنا هو رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " ( يوحنا 18/6 ) فما الذي أخاف الجنود حتى سقطوا ؟
للإجابة عن هذا السؤال نتأمل ما جاء في لوقا " وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً، فقال لهم الملاك: لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب "(لوقا 2/8–10)
فخوفهم من الملائكة، هو الذي سبب لهم هذا السقوط، ونراه محققاً للنبوءة التوراتية " لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك، لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك، على الأيدي يحملونك، لئلا تصطدم بحجر رجلك " ( مزمور 109/14- 16).
- وانفرد متى فذكر ذهابهم بالمسيح إلى حنان حما قيانا، ثم أخذوه إلى قيافا ( انظر يوحنا 18/12 - 13 ).
- وانفرد لوقا بذكر إرسال بيلاطس المسيح إلى هيرودس حاكم الجليل. وقد ذكر متى أن هيردوس مات قبل ذلك بكثير، يقول متى " فلما مات هيردوس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلاً: قم وخذ الصبي وأمه، واذهب إلى أرض إسرائيل " ( متى 2/19 - 20 ).
والذي دعاه لذلك -كما يرى مفسر لوقا جورج كيرد -: أنه أراد أن يحقق نبوءة المزمور الثاني، وفيه " قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معاً على الرب، وعلى مسيحه " ( مزمور 2/2).
- وانفرد متى فذكر عجائب حصلت والمسيح على الصليب في اللحظة التي فارق فيها الحياة، فيقول: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين " ( متى 27/51 - 53 )، فهذه الأعاجيب ينفرد بها دون سائر الإنجيليين والمؤرخين ومنهم لوقا المتتبع بالتدقيق لكل شيء.
ولو صح مثل هذا لكان من أعظم أعاجيب المسيح، ولحرص الجميع على ذكره، لذا فهو إلى الكذب أقرب، يقول نورتن المسمى " حامي الإنجيل ": " هذه الحكاية كاذبة، والغالب أن أمثال هذه الحكاية كانت رائجة في اليهود، بعدما صارت أورشليم خراباً، فلعل أحداً كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى، وأدخلها الكُتاب في المتن، وهذا المتن وقع في يد المترجم، فترجمها على حسبه ".
وقد نقلت هذه الأخبار عن الأساطير القديمة، يقول المفسر كيرد: " كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء، وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته ".
ويقول المفسر نينهام: " لقد قيل: إن مثل تلك النذر لُوحِظَتْ عند موت بعض الأحبار الكبار، وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القديمة والوثنية، وخاصة عند موت يوليوس قيصر ".
ويقول المفسر فنتون: " لقد كان قصد متى من هذه الأحداث الخرافية أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله ".
ومما يدل على كذب متى أو مترجمه في هذه الزيادة، أن لو ظهرت هذه العجائب لما جرأ اليهود على الرجوع إلى بيلاطس، وطلب حراسة القبر، ولما تجاسر قيافا أن يصف المسيح وقتئذ بالمضل، ولانتقم منهم بيلاطس، بل وعامة اليهود، ولآمن كثيرون بالمسيح، كما آمن كثيرون في أعجوبة أقل من ذلك، إذ لما نزل روح القدس على التلاميذ، آمن ثلاثة آلاف شخص ( أعمال 2/40 - 41)، وما ذكره متى عند موت المسيح أعظم من ذلك.
ثم ماذا عن هؤلاء الأموات ؟ هل عادوا بأكفانهم؛ أم حفاة عراة ؟ ومع مَن تكلموا ؟ هل كان خروجهم حزناً عليه أم نصرة له ؛ أم فرحاً به ؛......
- وانفرد يوحنا بذكر وجوده إلى جوار المسيح وأم المسيح معه وقت الصلب ( يوحنا 19/25 - 26)، وأمر كهذا لا يتصور أن تغفله الأناجيل لو كان حقاً، كما لا يمكن تصور أن الجند يسمحون لذوي المسيح من الاقتراب منه وهو على الصليب، وهم الذين أنكر بطرس بين أيديهم معرفة المسيح ثلاث مرات.
النقد الضمني للرواية الإنجيلية
وعند التأمل في الروايات الإنجيلية في جزئيات كثيرة اجتمع عليها الإنجيليون - أو بعضهم - نجد أن في الروايات خللاً وحلقات مفقودة لا يمكن تجاوزها، علاوة على ما في الروايات من تهافت في المعنى.
وفي كثير من هذه الملاحظات لا يمكن للنصارى الخروج منها، إلا بالتسليم بأن المصلوب ليس المسيح، أو بالتسليم بأن الروايات بشرية الوضع، غير محبوكة الصنعة. ومنها:
- تتحدث الأناجيل عن دور يهوذا في خيانة المسيح بعد أن رافق المسيح وهو من خاصته، فكيف حصل هذا التغير المفاجىء ؟
إن وقوع الانحراف بين البشر لا يستبعد، ولكن الرواية الإنجيلية تجعل المسيح، وهو الذي أرسله الله لهداية البشر، تجعله سبباً في غواية يهوذا. يقول يوحنا على لسان المسيح: " الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه، فغمس اللقمة، وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي، فبعد اللقمة دخله الشيطان، فقال له يسوع: ما أنت تعمله، فاعمله بسرعة أكثر " ( يوحنا 13/26 – 27 )، فقد جعل النص المسيح سبباً في ضلالة يهوذا وخيانته.
كيف لم يستطع يهوذا أن يخرج الشياطين من نفسه، وهو أحد الذين قال لهم المسيح: " اشفوا مرضى، طهروا برصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين؟ " ( متى 10/8 ).
وعلى الرغم من أهمية شخصية يهوذا فإن أحداً من أصحاب الأناجيل - سوى متى - لم يذكر شيئاً عن موته، وقد اختار له متَّى ميتة سريعة سبقت حتى موت المسيح، وكأنه بذلك أراد أن يتخلص من الشخصية الغريبة، والتي اختفت منذ تلك الفترة. (انظر متى 27/3-7)، وقارن مع (أعمال 1/18 )
وتناقض الروايتين وسكوت بقية الأناجيل يرجع لاختفاء يهوذا عن مسرح الأحداث في تلك الليلة التي قبض عليه فيها بدل المسيح.
وهنا يطرح سؤال نفسه: كيف جهل رؤساء الكهنة شخص المسيح حتى احتاجوا إلى من يدلهم عليه مقابل ثلاثين من الفضة ؛ كيف ذلك وهو الذي كان في الهيكل يعلم كل يوم ( انظر: لوقا 22/ 52 )، وقد عرفه حتى المجوس في طفولته؟ ( انظر: متى 2/1 – 11 )
وتذكر الأناجيل أن المسيح في ليلة الصلب تضرع إلى الله يدعوه أن يصرف عنه كأس الموت، فأين كان التلاميذ في تلك اللحظات العصيبة ؟ لقد كانوا مع المسيح في البستان، لكنهم كما وصفهم لوقا " ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " ( لوقا 22/45 ) لكن المعهود في البشر أنهم إذا خافوا طار النوم وعز.
وهو ما يؤكده علماء النفس، ومرده فرز الغدة الكظرية لهرمون في مجرى الدم، فيتعقب النوم ويطارده، إذا كيف نام هؤلاء من الخوف ؟
- ومن التنافر أيضاً ما جاء في مرقس أن المسيح جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً فقال: " ناموا الآن واستريحوا. يكفى. قد أتت الساعة. هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة، قوموا لنذهب، هوذا الذي يسلمني قد اقترب " ( مرقس 14/41 ) فكيف يتوافق قوله: " ناموا الآن واستريحوا " مع قوله " قوموا لنذهب؟ ".
وثمة سؤال هنا: كيف يطلب الهرب وهو يعرف أنه سيؤخذ ويصلب ؟
- ومن التنافر في الرواية أن إنجيل يوحنا يُظهر الحكم على المسيح، وكأنه حكم إلهي نزل على رئيس الكهنة قيافا، وليس حكماً صادراً من مجمع للظّلَمة. يقول يوحنا: " فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا نُهلك الأمة كلها، ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد " ( يوحنا 11/49 - 52 )
فالنص يصف قيافا بالنبوة، وبأنه عرف أن المسيح يموت عن الشعب، فكيف يصح هذا ؟ وهو الذي حكم ظلماً على المسيح بالموت، كيف وهو أحد الظلمة الذين قال لهم المسيح: " ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة " ( لوقا 22/53 )
كيف يأمر نبي بقتل نبي، فلو صحت نبوته لكان حكمه ردة، أو يكون قد حكم على غير المسيح.
وفي محاولة للتبرير قال يوحنا فم الذهب: " إن روح القدس حرك لسان قيافا، لا قلبه على أن قيافا لم يخط ضد الإيمان، بل ضد العدل والتقوى ".
ولكن اللسان ليس إلا ترجماناً للقلب، وإذا كان روح القدس هو الذي حرك قيافا، فلم كان قيافا خاطئاً ضد العدل والتقوى.
وقد تعارض قيافا في فهمه لعموم الفداء وخصوصه، فهو يفهم أن المسيح موته فداء لبني إسرائيل، بينما يوحنا في رسالته الأولى يقول: " هو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً" ( يوحنا (1) 2/2 ).
- وتذكر الأناجيل أن الجميع وقف ضد المسيح وليس رؤساء الكهنة فحسب، بل حتى الجماهير كانت تنادي على بيلاطس وتقول: " اصلبه. اصلبه " وترفض إطلاقه، وتود إطلاق المجرم باراباس " كان بيلاطس يطلب أن يطلقه، ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصر، كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر " ( يوحنا 19/12 ) " فهيج رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري باراباس. فصرخوا أيضاً: اصلبه... فازدادوا جداً صراخاً: اصلبه، فبيلاطس إذن كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم " ( مرقس 15/11 - 15 ).
فأين الجموع التي شفاها المسيح والتي تعد بالألوف؟ أين أولئك الذين استقبلوه وهو يدخل أورشليم راكباً على الجحش والأتان معاً ؟ أين أولئك " الجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق، وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر، وفرشوها في الطريق، والجموع الذين تقدموا، والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لابن داود.. ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: مَن هذا ؟ " ( متى 21/8 - 10 )
أين ذهب هؤلاء ؟ بل أين ذهب أصحاب المروءة والشهامة، وهم يرون المسيح يصفع ويضرب على غير ما ذنب أو جريرة ؟
- ذكر مرقس قصة الرجل الذي هرب عرياناً فقال: " تبعه شاب لابساً إزاراً على عريه " (مرقس 14/52 ) ويدل هذا على أن الجو لم يكن بارداً، ومما يؤيد ذلك أن الفصح عند اليهود - حيث حصلت حادثة الصلب - يكون في شهر نيسان.
لكن يوحنا يذكر ما يفيد أن الجو كان بارداً، فقد وقف بطرس يوم محاكمة المصلوب، يحتمي من البرد بالنار يقول يوحنا: " وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي " ( يوحنا 18/25 ) فجمع الإنجيليون الصيف والشتاء في يوم واحد.
- ثم إن بطرس - الذي يحتل في المسيحية مكاناً بارزاً، وجعلت الأناجيل بيده مفاتيح السماوات والأرض - أنكر المسيح في تلك الليلة ثلاث مرات، وأضاف إلى الإنكار حَلفاً ولعناً، ولم تحدد الأناجيل الملعون هل هو يلعن نفسه أم المسيح ؟ أم....
لكن هذا لا يتفق مع خصوصية بطرس الذي قال له المسيح: " ولكني طلبت من أجلك، لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت، ثبت إخوانك " ( لوقا 22/32 ).
كما أن الحلف منهي عنه عند النصارى، فكيف حلف بطرس والمسيح يقول: " لا تحلفوا البتة..، بل ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو شر " ( متى 5/34 - 37 ).
وعليه فبطرس شرير، حلف كاذباً، والتوراة تقول: ".. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً " (الخروج 20/7 ) و " لا تحلف باسمي للكذب، فتدنس اسم إلهك، أنا الرب " ( اللاويين 19/12) وخروج بطرس عن هذه الأحكام يجعله ملعوناً " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" ( التثنية 27/26 ).
ولا يمكن أن يصدر هذا الحلف واللعن من بطرس، فلا يمكن أن يهون عليه سيده إلى هذا الحد، ولو فعل ذلك لما كان مستحقاً لاسم الإيمان، فضلاً عن المعجزات والخصائص المذكورة في حقه في الأناجيل، وعليه، فإنه كان صادقاً في حلفه ولعنه، إذ المصلوب ليس المسيح، بل غيره.
- وتُظهر الأناجيل المسيح على الصليب غاية في الضعف والهوان، يستجديهم الماء وهو يرى شماتتهم، ثم يُسمعهم صراخه....ولا يتطابق هذا مع ما عُرف عن شخصية المسيح القوية، والتي تحدى فيها اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه ( انظر يوحنا 7/23 )، أو المسيح الذي دخل الهيكل فطرد الصيارفة ( انظر مرقس 11/15 )، وصام أربعين يوماً قبلُ ( انظر متى 4/2 ).
فلم كل هذا الجزع، وممن ؟ من المسيح الذي يدعون ألوهيته !! كيف يصدر هذا الخور منه وهو القائل لتلاميذه: " لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب سمعتم أني قلت لكم: أنا أذهب ثم آتي إليكم، لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت: أمضي إلى الآب " ( يوحنا 12/27 - 28 )
- ويذكر الإنجيليون قيامه المسيح بعد الموت، وهذه أحد أكثر موضوعات الأناجيل إثارة، لما في رواياتها من تناقض وتنافر.
فلم ظهر المسيح لتلاميذه ولم يظهر لأعدائه ؛ فهذا أظهر لحجته، وأدعى للإيمان به، كما نتساءل عن موقف الكهنة وقد علموا من الحراس بخروج المسيح من القبر: كيف سكتوا عن ذلك، إن الأناجيل لا تذكر أنهم حركوا ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم.
وأنبه هنا إلى أن إنكار قيامة المسيح قديم، فهاهم أهل باغوس يحدثهم بولس "ولما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون، والبعض يقولون سنسمع منك عن هذا أيضاً " ( أعمال 17/32 ).
ومما يدل على عدم صحتها: جهل تلاميذ المسيح بها " لأنهم لم يكونوا بعدُ يعرفون الكتاب، أنه ينبغي أن يقوم من الأموات " ( يوحنا 20/10 ) وعليه فإن فكرة سرقة الجسد من القبر كان إشاعة قديمة لتبرير القيامة.
ومن الأدلة على كذب القيامة: وجود المسيح وظهوره، فوجوده دليل على أنه لم يمت، لأن التوراة تقول: " السحاب يضمحل ويزول، هكذا الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد " ( أيوب 7/9 ) ولو كان المسيح قد مات لا يرونه بعدُ لأنه قال: " لأني ذاهب إلى أبي، ولا ترونني أيضاً " ( يوحنا 16/1 ) ويؤكد هذا قوله: "الحق الحق أقول لكم، إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه .... الآتي باسم الرب" ( لوقا 13/5).
وهكذا ومن خلال هذا كله يتبين لنا أن الروايات الإنجيلية أقل بكثير من أن تصلح للاعتبار في مسألة مهمة كهذه إذ هي عمل بشري ممتلئ بسائر أنواع الضعف البشري.