بسم الله الرحمن الرحيم
هي صفيـة بنت عبـد المطلـب بن هاشم بن عبـد مناف القرشيـة الهاشمية
شقيقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، أمهما هالة بنت وهيب
بن مناف بن زهرة ، نشأت في بيت عبدالمطلب أبيها سيد قريش
وزعيمها بلا منازع وقائدها ورائدها ، صاحب السؤدد والمجد ، حكيم
مكه ورأس الأمر فيها ، كما اجتمعت له بالإضافة إلى كل تلك الأمجاد
سقاية حجاج بيت الله الحرام ، فتأثرت صفية رضي الله عنها بكل
تلك العوامل ومن خلالها تكونت شخصيتها القوية النافذة ، فكانت
فصيحة بليغة قارئة عالمة شجاعة فارسة ، تمتطي صهوة الخيل
كأبرع الفرسان وتقاتل بالسيف والرمح كأمهر الشجعان ، وكانت
في الجاهلية زوجـة الحارث بن حـرب بن أمية ، أخ أبي سفيان
فمـات عنها ، فتزوجها العوام بن خويـلد فولدت له الزبيـر والسائب
وعبـد الكعبة ، أسلمت صفيـة رضي الله عنها قديما وهاجـرت إلى
المدينـة..
بالإضافة لكونها اول امرأة قتلت رجلًا في سبيل الله فإنها صاحبة أول مستشفى ميداني بمفهوم العصر الحديث ..
وفي غزوة خيبر قامت بدور شهير في التاريخ الإسلامي اتخذت لها خيمة مع رفيدة الأسلمية وعدد من النساء المسلمات لتقديم الخدمة الطبية للمقاتلين في سبيل الله وهي بذلك صاحبة أول مستشفى ميداني بمفهوم العصر الحديث.
لم يجبر الإسلام على المرأة على الجهاد ولكن أيضا لم يمنعها منه عند الضرورة ..
فلقد كان لها في ميادين الجهاد مواقف ما يزال يذكرها التاريخ ولنقف نتذكر ونعتبر بموقفين لها :
كان أولهما يوم أحد وثانيهما يوم الخندق
أما ما كان منها في " أحد " فهو أنها خرجت مع جند المسلمين في ثلة من النساء جهاداً في سبيل الله . فجعلت تنقل الماء ، وتروي العطاش ، وتبري السهام ، وتصلح القسي . وترقب المعركة بكل جوارحها
ولما رأت المسلمين ينكشفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً منهم .
طرحت سقاءها أرضاً … وهبت كاللبوة التي هوجم أشبالها ، وانتزعت من يد أحد المنهزمين رمحه ،ومضت تشق به الصفوف ، وتضرب بسنانه الوجوه ، وتزار في المسلمين قائلة : ويحكم ، أنهزمتم عن رسول الله ؟!!
فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام مقبلة خشي عليها أن ترى أخاها حمزة وهو صريع ، وقد مثل به المشركون أبشع تمثيل وهو يعلم كم تحب عمته عمه ، وكم مصابها به جلل .. فخشي بأبي هو وأمي أن تجزع حين تراه على هذه الحال فأشار إلى ابنها الزبير قائلاً : ( المرأة يا زبير … المرأة يا زبير … ) وفي رواية اخرى أنه قال ( "دونك أمك فامنعها" )
فأقبل عليها الزبير وقال : يا أمة إليك … إليك يا أمة .[ أي توقفي وارجعي ولا تقتربي ]
فضربته على صدره وقالت : تنح لا أم لك . وفي رواية ( دونك لا أرض لك لا أم لك ) [ فهي عازمة ولا تقبل التوقف]
فقال : إن رسول الله يأمرك أن ترجعي . عندها توقفت استجابةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سألت :
قالت : ولم ؟ ! إنه قد بلغني أن مثل بأخي ، وذلك في الله …
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خل سبيلها يا زبير ) ؛ فخلى سبيلها .
ووقفت صفية على أخيها حمزة فوجدته قد بقر بطنه ، وأخرجت كبده ، وجدع أنفه ، وصلمت أذناه ، وشوه وجهه ، فاستغفرت له ، وجعلت تقول : إن ذلك في الله … لقد رضيت بقضاء الله . والله لأصبرن ، ولأحتسبن إن شاء الله .
فمن منا تطيق ما أطاقت صفية ؟ وأخوها الحبيبب مقطع الجسد أمامها !
وهكذا تضرب المثل في الصبر والرضا والبيع لله والفداء لهذا الدين .. فيتعلم منها ابنها الزبير ، بل وسائر أهل أحد لك اليوم.. بل والمسلمين جميعا إلى يومنا هذا رضي الله عنها وأرضاها.. ونقف لتعلم نحن منها درسا لاأظننا ننساه .
كان ذلك موقف صفية بنت عبد المطلب يوم " أحد " أما موقفها يوم " الخندق " فله قصة عجيبة تنم عن ذكاء وقاد وبسالة عالية وفداء لهذ الدين، وثبات عجيب !
فلقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء والأطفال في الحصون حماية لهم. فلما كان يوم الخندق جعل نساءه وعمته وطائفة من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابت رضي الله عنه، ومعهن حسان شيخا كبيرا لايقوى على التحرك والمقاتلة، وبينما كان المسلمون يرابطون على حواف الخندق في مواجهة قريش وأحلافها . أبصرت صفية بنت عبد المطلب شبحاً يتحرك في الظلام، فراقبته فإذا هو يهودي أقبل على الحصن، فأدركت أنه عين لبني قومه جاء ليتأكد هل مع النساء والأطفال رجال يحمونهن أم لا ؟
فقالت في نفسها : إن يهود بني قريظة قد نقضوا ما بينهم وبين رسول الله من عهد وظاهروا قريشاً وأحلافها على المسلمين … وليس بيننا وبينهم أحد من المسلمين يدافع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه مرابطون في نحور العدو … فإن استطاع عدو الله أن ينقل إلى قومه حقيقة أمرنا سبى اليهود النساء واسترقوا الذراري ، وكانت الطامة على المسلمين .
عند ذلك بادرت إلى خمارها فلفته على رأسها ، وعمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها ، وأخذت عموداً على عاتقها ، ونزلت إلى باب الحصن ففتحته في أناة وحذق ، وجعلت ترقب من خلاله عدو الله في يقظة وحذر ، حتى إذا أيقنت أنه غدا في موقف يمكنها منه … حملت عليه حملة حازمة صارمة ، وضربته بالعمود على رأسه فطرحته أرضاً ثم عززت الضربة الأولى بثانية وثالثة حتى أجهزت عليه ، وأخمدت أنفاسه بين جنبيه وإلى هنا أتظنين أن الأمر انتهى معها ؟ لا .. بل بادرت إليه فاحتزت رأسه بسكين كانت معها ، وقذفت بالرأس من أعلى الحصن … فطفق يتدحرج على سفوحه حتى استقر بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون في أسفله .
فلما رأى اليهود رأس صاحبهم ؛ قال بعضهم لبعض : قد علمنا إن محمداً لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة … ثم عادوا أدراجهم …فأي شجاعة هذه التي تملكت تلك المرأة التي جاوزت الستين من عمرها .. وأي قوة كانت تحركها وتدفعها !
نسأل الله من فضله العظيم