يعتقد النصارى أن الله سبحانه واحد في ثلاثة ، وثلاثة هي واحد ، مع أن كلمة ( الثالوث ) لا وجود لها في أسفار الكتاب المقدس ، غير أنهم يزعمون أنها لمحت إليها ، ثم ظهرت جلية في العهد الجديد . وإن الباحث ليتساءل إذا كانت هذه صفة الله حقيقة ، وقد أثبتها لنفسه ، فلماذا لم تذكر بصراحة ووضوح في العهد القديم ، ولو بدون تفصيل ، كما ذكرت سائر الصفات ؟
وهل كان الأنبياء السابقون لا يعرفونها ؟
أو عرفوها وكتموها ؟
فإن كانوا لا يعرفونها فكيف تخفى عليهم _ وفيهم إبراهيم ويعقوب وموسى وسليمان الحكيم _ ثم تظهر لبولس ؟!!
وإن كانوا يعرفونها ، فلم لم يخبروا قومهم بصراحة ، ولو بدون التعرض إلى النزول والحلول في الجسد ونحو ذلك مما فيه تفصيل ؟ ومع الحكمة من كتمانها وعدم ذكرها في الأسفار ، مع أنها هامة جداً ، لأنها تتعلق بذات الله ، وسوف يبنى عليها عقائد ؟
إن الحكمة تقتضي ذكرها بصراحة تامة في العهد القديم ، ولو بدون تفصيل ، إذا كانت حقيقة ، ليتناقلها من جيل إلى جيل ، فتثبت في أذهانهم ، وتكون بمثابة التمهيد لمجيء المسيح وتفصيلها في العهد الجديد .
أما ادعاؤهم أن العهد القديم لمح إليها ، فمعناه أنهم يلوون أعناق النصوص ، ليحملوها من المعاني ما لا تحتمل ، لأن كثيراً من النصوص في العهد القديم وفي العهد الجديد ، تنص صراحةً على الوحدانية ونفي المماثلة . ومن ذلك ما يلي :
تثنية [ 4 : 35 ] : (( انك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه.))
تثنية [ 6 : 4 ] : (( اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد.))
تثنية [ 32 : 39 ] : (( انظروا الآن. أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحيي سحقت واني اشفي وليس من يدي مخلّص.))
تثنية [ 33 : 26 ] : (( ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته.))
صموئيل الثاني [ 7 : 22 ] : (( لذلك قد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا.))
الملوك الأول [ 8 : 60 ] : (( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر .))
الملوك الثاني [ 19 : 15 ] : (( أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض أنت صنعت السماء والأرض. ))
الملوك الثاني [ 19 : 19 ] : (( والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها انك أنت الرب الإله وحدك ))
أخبار الأيام الأول [ 17 : 20 ] : (( يا رب ليس مثلك ولا اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا. ))
نحميا [ 9 : 6 ] : (( أنت هو الرب وحدك.))
أيوب [ 9 : 32 ] : (( لأنه ليس هو إنسانا مثلي فأجاوبه ))
المزامير [ 18 : 31 ] : (( لأنه من هو اله غير الرب. ومن هو صخرة سوى إلهنا ))
المزامير [ 71 : 19 ] : (( يا الله من مثلك ))
إشعيا [ 37 : 16 ] : (( يا رب الجنود اله إسرائيل الجالس فوق الكروبيم أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض ))
إشعيا [ 40 : 18 ] : (( فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به ))
إشعيا [ 44 : 6 ] : (( هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري. ))
إشعيا [ 45 : 5 ] : (( أنا الرب وليس آخر. لا اله سواي. نطّقتك وأنت لم تعرفني. ))
إنجيل مرقس [ 12 : 29 ] : (( فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ))
فهذه النصوص تثبت أن الله واحد لا شريك ولا مثيل له ، فكيف يقول الكاثوليك : الآب غير الابن , والابن غير الآب , والروح القدس غيرهما , ولكل منهم مشيئة , ومع ذلك هم شيء واحد في الذات والجوهر والقدرة والحكمة ؟!
التثليث عقيدة وثنية :
لقد أصبح من المؤكد لدى الباحثين أن عقيدة التثليث التي طرأت على الديانة التي أرسل بها عيسى عليه السلام كان لها وجود في بعض الديانات الوثنية القديمة ، كالمصرية والهندية ، قال المستر ( هلسلي ) في كتابه ( الإيمان والعقل ) : يعتقد الهنود بإله مثلث الأقانيم وإذا أرادوا التكلم عنه بصفة الخالق قالوا : الإله ( برهمة ) ، وبصفة المهلك قالوا :
( سيفا ) ، وبصفة الحافظ قالوا : الإله ( فشنو ) وانظر كتاب موريس ( الآثار الهندية القديمة ) وكتاب ( سكان أوربا الأول ) وبذلك نعلم أن الوثنيون القدماء كانوا يعتقدون بأن الإله واحد ، لكنه ذو ثلاثة أقانيم . وصدق الله العظيم إذ يقول عن أهل الكتاب : (( يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) صدق الله العظيم
إن عقيدة التثليث هي أنه يوجد ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) آلهة منفصلة ومتميزة في الثالوث الأقدس وهي :
الله الأب ، الله الابن ، الله الروح القدس .
وقانون الإيمان الأثناسيوسي يقرر :
)يوجد شخص واحد للأب ، وآخر للابن ، وآخر للروح القدس ، إلا أن هذا الثالوث الأقدس المكون من : الأب والابن والروح القدس هم واحد : متساوون في المجد ، متساوون في الأزلية . الأب هو الله . الابن هو الله . الروح القدس هو الله ومع هذا فهؤلاء ليسوا بثلاثة آلهة ولكن إله واحد .)
ونظير ذلك فإننا ملزمون بحقيقة الدين المسيحي أن نسلم بأن كل شخص ( أقنوم ) بذاته إله وسيد ، وعليه فإن الدين المسيحي الكاثوليكي يحرم علينا أن نقر بوجود ثلاثة آلهة ، أو ثلاثة أرباب .
وهذا بكل الوضوح تناقض ذاتي . إن مثل هذا كمثل أن تقول 1+1+1=3 ، ومع هذا = 1.
فإذا كان هناك ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) منفصلة ومتميزة وكل شخص هو إله . إذن فلابد أن يكون هناك ثلاثة آلهة .
إن الكنيسة المسيحية أدركت عدم معقولية القول بأن هناك إله واحد في ثالوث وثالوث في إله واحد ، لأن جميع الطوائف النصرانية تعتقد بأن كل أقنوم من الأقانيم متميز عن الأقنومين الآخرين ، في كل شيء ، ومن ثم أعلنوا أن عقيدة التثليث سر غامض وعلى الإنسان أن يحرز إيمانا أعمى .
وبكل الاستغراب ، فإن يسوع المسيح ذاته لم يذكر إطلاقا هذا الثالوث الأقدس بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى ، إن المسيح عليه السلام ما عرف ولا قال شيئا على الإطلاق بأنه يوجد ثلاثة أشخاص آلهة في الثالوث الأقدس .
وقد كان تصوره عن الله لا يختلف أبداً عن نظرة أنبياء بني إسرائيل السابقين الذين بشروا دائما بأن الله واحد أحد ولن يكون ثلاثة .
وقد ردد يسوع المسيح فقط قول موسى حين قال :
))فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل . الرب إلهنا رب واحد . وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك . هذه هي الوصية الأولى . )) مرقص [ 12 : 29 ]
إن يسوع المسيح كان يؤمن بشخص الإله الواحد. كما هو ظاهر من قوله التالي :
))مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد )) ( متى 4 : 10 ) .
لقد صاغ المسيحيون عقيدة التثليث بعد رحيل يسوع المسيح بحوالي ثلاثمائة سنة . وإن الأناجيل المعتمدة الأربعة التي دونت ما بين عام 70 وعام 115 لا تحوي أي إشارة إلى هذا الثالوث بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى .
وحتى بولس الذي جلب الآراء الغريبة على المسيحية ، لا علم له بالثالوث الأقدس بهذا المفهوم .
والموسوعة الكاثوليكية تصرح بأن عقيدة التثليث لم تكن معروفة للمسيحيين الأوائل وأنها تشكلت في نهاية الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي فتقول :
إن صياغة الإله الواحد في ثلاثة أشخاص لم تنشأ موطدة وممكنة في حياة المسيحيين وعقيدة إيمانهم ، قبل نهاية القرن الرابع .
وهذا ما تؤكده دائرة المعارف الفرنسية لاروس للقرن التاسع عشر .
وهكذا فإن عقيدة التثليث لم تكن من تعاليم يسوع المسيح ، وإنها لم تكن في أي موضع من الكتاب المقدس ( كلا العهد القديم والعهد الجديد ) إنها بكل تأكيد غريبة على العقلية ومن منظور المسيحيين الأوائل والتي صارت جزءا من الإيمان المسيحي نحو القرن الرابع .